کد مطلب:306593 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:164

تشییع البضعة فی اللیل الادهم


ثم صلوا علیها سلام اللَّه و صلواته علی روحها.. و هم یزالون یكابدون، عبراتهم، و زفراتهم.

فقد كان الوصی فی صلاته یكبر تكبیره، فیكبر جبریل تكبیرة و معه الملائكة المقربون، الذین هبطوا لیشاركوا آل الرسول بمصابهم.

و بعد ان اتموا الصلاة قال أمیرالمؤمنین:

- (واللَّه لقد اخذت فی أمرها و غسلتها فی قمیصها، و لم اكشفه عنها فواللَّه لقد كانت میمونة طاهرة مطهرة.. ثم حنطتها من فضلة حنوط رسول اللَّه و كفنتها وادرجتها فی أكفانها).

و هاجت احزان علی.. و هو یحفر لحدها.

فظهر فی السماء نوراً صار ناقوساً یضی ء لحد القبر.. فما ان انتهی حتی انزلها فی اللحد.. المنیر الذی تنتظر فیه الحور العین.. قدوم سیدة نساء العالمین.

ثم ترك لسانه یلهج بحسراته و آهاته قائلاً:

(بسم اللَّه الرحمن الرحیم بسم اللَّه و باللَّه و علی ملة رسول اللَّه محمد بن عبداللَّه صلی اللَّه علیه و آله و سلم سلمتك ایتها الصدیقة الی من هو اولی بك منی، و رضیت لك بما رضی اللَّه تعالی لك، ثم قرأ (منها خلقناكم و فیها نعیدكم و منها نخرجكم تارة اُخری).

ثم حتی التراب علی الزهراء المعصومة، فلم یلبث نورها حتی بزغ من جدید و من تحت الثری. انه انبثق نحو علیاء السماء فأزهرت به جنان العرش العظیم.

فقام علی علی القبر، و قد هاجت احزانه، فأرسل دموع عینه علی خده و انشد یقول:


لكل اجتماع من خلیلین فرقة

و كل الذی دون الممات قلیل





و ان افتقادی فاطماً بعد أحمد

دلیل علی ان لا یدوم خلیل [1] .


.. ثم حول وجهه إلی قبر حبیبه رسول اللَّه، و قال والدموع تستدر من عینیه و كأنها حجبت المرئیات، غیر هالة القبر التی تلیها عینیه:

.. (السَّلامُ عَلَیْكَ یَا رَسُولَ اللَّهِ عَنِّی، وَ عَنِ ابْنَتِكَ النَّازِلَةِ فِی جَوارِكَ وَالسَّریعَةِ اللَّحَاقِ بِكَ! قلَّ، یَا رَسُولَ اللَّه، عَن صَفیَّتِكَ صَبْرِی، وَرَقِ عَنْهَا تَجَلُّدِی، إلَّا أنَّ فی التّأسِّی لِی بعَظِیمِ فرْقتِكَ، وَ فادِحِ مُصِیبَتِكَ، مَوْضِعَ تَعَزِّ، فلَقدْ وَسَّدْتُكَ فی مَلْحُودَةِ قَبْرَكَ، وَ فَاضَت بَیْنَ نَحْرِی وَ صَدْرِی نفسُكَ، «فإنا للَّهِ و إِنَّا إلَیْهِ رَاجعُونَ» فَلَقَدْ اسْتُرْجِعَتِ الْوَدِیعَة، وَ أخِذتَ الرَّهِینَة! أمَّا حُزنِی فسَرْمَد وَ أمَّا لَیْلِی فمُسهَّد، إلَی أنْ یَختَارَ اللَّه لِی دَارَكَ الَّتی أنْتَ بهَا مُقِیم وَ سَتُنَّبئُكَ ابْنَتُكَ بتَضافِر اُمَّتِكَ عَلَی هَضمِها، فأحْفهَا السُّؤَالَ، واسْتَخبرْهَا الْحَالَ؛ هذا وَ لَمْ یَطلُ الْعَهْدُ وَ لَمْ یَخِلُ مِنْكَ الذكْرُ، وَالسَّلامُ عَلَیْكُمَا سَلامَ مُوَدِّع، و لا قالَ وَ لا سَئم، فإنْ أنْصَرِفْ فلا عَنْ مَلالَةٍ، وَ إنْ أقِمْ فلا عَنْ سُوءِ ظَن بمَا وَعَدَ اللَّه الصَّابِرین) [2] .

.. ثم قام علی غیر هدی.. و عواطفه تتدفق فی أحشائه.. مثلما یتسارع نزیف الدماء من جوانب الكلوم البلیعة.

ثم أخذت نبضات قلبه تتصاعد و تتهامل مثل أمواج البحر.

فخشع بصره و تأوه بمرارة. ثم اُجهش ببكاء عمیق، كان فی روحه.

اما الآن و قد صار وحده فلیفصح عنه، و لتتفجر عبراته و اشجانه.

فها هو بقرب الوجدان، الذی كانت روحه أجمل من الجمال.

وها هو جوهر نفسه الطاهرة تتقد حباً و مناراً، كما هی من قبل لهذا المرأة التی تجلت اَمامه فی صورة الحقیقة؛ لصبرها و ایثارها و نضالها.. ثم اخذ القرآن یقرأُه علی صدر القبر، و هو ینصت للحسرات تلو الحسرات فی حین ترفرف علیه اجنحة


من نور كانت تشمله، والحب الذی واراه تحت الثری.

ثم ارسل عبراتته الجیاشة نحو القبر و كأنه ینشد قول الشاعر:


ولای الاُمور تدفن سرَّا

بضعة المصطفی و یعفی ثراها


فمضت و هی أعظم الناس شجواً

فی فم الدهر غصة من جواها


و ثوت لا تری لها والناس

مثوی ای قدیس یضمه مثواها


أجل: عفی قبر الزهراء، كما أوصت علیهاالسلام.

فبنی لها علی علیه السلام أربعین قبراً لئلا یزورها من قد أغضبها، و غصب حقها [3] .

و لم ینِ هو حتی فی اللحظات الأخیرة عن قراءة القرآن بقرب ثراها الطاهر (فان فاطمة تحب صوت علی).

بلی: جاءت الطیور البرّیة تنشد عزاءها بقرب حافة القبر، لتودعها وداعها


الأخیر.

عند ذلك قلّب التأریخ آخر صفحاته، عن حیاة هذه الفذة، لكنه لم یطوی نورها الأزهر، الذی خلُق لیزهر الوجود، بل انه بقی نوراً یضی ء الدروب مدی العصور والدهور.

هذا و نسأل اللَّه تقدست أسمائه ان یوفقنا و یمدنا لطبع سفراً آخراً لبنت صاحبة هذا الكتاب ألا و هی الحوراء زینب بنت أمیرالمؤمنین علیه السلام تحت عنوان «عقیلة علی تحتضن الرسالة».



[1] رواه بيت الاحزان للقمي، نورالابصار ص 40.

[2] نقلاً عن نهج البلاغة رقم الخطبة (202)، نقلها ايضاً احمد في (الفضائل)، نقلها ايضاً الشيخ القمي في بيت الاحزان.

[3] الاختصاص ص 183 للشيخ المفيد ط قم، أهل البيت لتوفيق أبي علم 185 القاهرة، إحقاق الحق ج 19 ص 170 للتستري، دلائل الزهراء لمحمد بن جرير الطبري الصغير من أعلام القرن الخامس الهجري ص 98، بحارالانوار ج 43 ص 171.

الواقعة هكذا: ان المسلمين لما علموا وفاتها عليهاالسلام جاءوا إلي البقيع فوجدوا فيه أربعين قبراً فاشكل عليهم قبرها عليهاالسلام من سائر القبور فضج الناس و لام بعضهم بعضاً و قالوا: لم يخلف نبيكم إلّا بنتاً واحدة تموت و تدفن و لم تحضروا وفاتها و لا دفنها و لم تعرفوا قبرها. فقال ولاة الأمر منهم: هاتوا نساء المسلمين من ينبش هذه القبور حتي نجدها فنصلي عليها و نزور قبرها.

فبلغ ذلك أميرالمؤمنين فخرج مغضباً قد أحمرت عيناه و عليه قباؤه الأصفر الذي كان يلبسه في كل كريهة و هو يتوكأ علي سيفه ذي الفقار حتي ورد البقيع. فسار إلي الناس من أنذارهم و قال هذا علي بن أبي طالب قد أقبل كما ترونه يقسم باللَّه لئن حول من هذه القبور حجر ليضعن السيف في رقاب الآمرين. فتلقاه عمر و من معه من أصحابه و قال له مالك يا أباالحسن واللَّه لننبشن قبرها و لنصلين عليها. فضرب علي بيده إلي جوامع ثوب عمر فهزه ثم ضرب به الأرض و قال له:

أما حقي فقد تركته مخافة ان يرتد الناس عن دينهم و أما قبر فاطمة فوالذي نفسي بيده لئن رمت و أصحابك شيئاً من ذلك لاسقين الأرض من دمائكم فإن شئت فاعرض يا عمر. فتلقاه أبوبكر فقال يا أباالحسن بحق رسول اللَّه و بحق من فوق العرش إلّا خليت عنه فإنا غير فاعلين شيئاً تكرهه.